قوله تعالى و تقدس: أ لمْ تروْا معناه ا لم تعلموا یا بنى آدم أن الله سخر لکمْ ما فی السماوات و ما فی الْأرْض اى مکنکم من الانتفاع بما فى السماء من الشمس و القمر و النجوم و ما فى الارض من الجبال و البحار و النبات و الاشجار و الدواب و الریح و السحاب و غیر ذلک مما تنتفعون به فى اوقاتکم و مصالحکم. و أسْبغ علیْکمْ اى اتم و وسع حتى فضل و السابغات فى قصة داود هى الدروع الطویلة نعمه قرأ نافع و ابو عمرو و حفص بفتح العین على الجمع و قرأ الآخرون منونة على الواحد و معناها الجمع ایضا کقوله: و إنْ تعدوا نعْمة الله لا تحْصوها. ظاهرة و باطنة قال عکرمة عن ابن عباس: النعمة الظاهرة الاسلام و القرآن، و الباطنة ما ستر علیک من الذنوب و لم یعجل علیک بالنقمة. و قیل: الظاهرة ما یراها الناس من الجاه و المال و الخدم و الاولاد. و الباطنة الخلق و العلم و القوة و سائر ما یعلمه العبد من نفسه. و قیل الظاهرة ما یعلمه العبد من نفسه و الباطنة ما یعلمه الله و لا یعلم العبد. و قیل لرسول الله (ص): عرفنا النعم الظاهرة فما الباطنة؟
فقال (ص) «هو ما لو رآک الناس علیه لمقتوک» و عن جویبر عن الضحاک قال سألت ابن عباس عن قول الله عز و جل: و أسْبغ علیْکمْ نعمه ظاهرة و باطنة فقال سألت رسول الله (ص) قلت یا رسول الله ما هذه النعمة الظاهرة و الباطنة؟ قال: «اما الظاهرة فالاسلام و ما حسن من خلقک و ما افضل علیک من الرزق. و اما الباطنة فما ستر من سوء عملک یا بن عباس». یقول الله عز و جل «انى جعلت للمومن ثلاثا صلاة المومنین علیه بعد انقطاع عمله اکفر به عنه خطایاه. و جعلت له ثلث ماله لیکفر به عنه خطایاه و سترت علیه سوء عمله الذى لو قد ابدیته للناس لنبذه اهله و ما سواهم» و قال الحارث بن اسد المحاسبى: الظاهرة نعیم الدنیا و الباطنة نعیم العقبى.
و قال سهل بن عبد الله: الظاهرة اتباع الرسول و الباطنة محبته. و قیل: الظاهرة قوله و یبین آیاته للناس و الباطنة قوله: و زینه فی قلوبکمْ.
و قیل: الظاهرة الشهادة الناطقة و الباطنة السعادة السابقة. و قیل الظاهرة وضع الوزر و رفع الذکر و الباطنة شرح الصدر. و قیل: الظاهرة قوله و أنْتم الْأعْلوْن و الباطنة قوله أولئک الْمقربون و من الناس منْ یجادل فی الله یعنى و مع هذه النعم الظاهرة و الباطنة منهم من یخاصم فى دین الله و یجادل فى توحید الله و یمیل الى الشرک و هو النضر بن الحارث حین زعم ان الملائکة بنات الله. و قیل نزلت فى یهودى خاصم النبى (ص) فاخذته صاعقة فاهلکته، بغیْر علْم اى جهلا منه لا علم له بما یدعیه، و لا هدى و لا کتاب منیر اى لا برهان له من سنة سنها نبى او کتاب مبین انزل على نبى یعنى انما یتبع هواه و وسوسة الشیطان.
و إذا قیل لهم اتبعوا ما أنْزل الله یعنى و متى قال لهم الرسول و المومنون اتبعوا ما أنْزل الله من الکتاب الواضح و النور البین اجابوا بان لا نتبع الا الذى وجدْنا علیْه آباءنا الماضین رضى منهم بتقلید الاسلاف و اتباع الروساء بغیر حجة و برهان. و الالف فى أ و لوْ الالف الاستفهام دخلت على واو العطف على معنى الانکار و التعجب من التعلق بشبهة هى فى غایة البعد من مقتضى العقل اى ان هذا الذى خیل الیکم من وجوب اتباع الآباء انما هو وسوسة الشیطان یدعوکم الى ما یودیکم الى عذاب النار.
و منْ یسْلمْ وجْهه إلى الله التأویل و من یسلم اخلاصه و قصده و طواعیته الى الله، و هو محْسن اى مخلص موقن غیر مرائی و لا منافق، و قیل من یخلص دینه لله و یفوض امره الیه و هو محسن فى عمله، فقد اسْتمْسک بالْعرْوة الْوثْقى استمسک و امسک و تمسک بمعنى واحد، اى تعلق بالعروة الوثقى و هى کلمة التوحید: لا اله الا الله. و قیل: القرآن و الاسلام قال الزجاج: من اسلم فقد استمسک و اعتصم بقول لا اله الا الله و هى العروة الوثقى. و وجه کل شىء جهته و نحوه و الوثقى تأنیث الاوثق کالصغرى تأنیث الاصغر، و الشیء الوثیق ما یأمن صاحبه من السقوط، و إلى الله عاقبة الْأمور یعنى مصیر الامور فى اواخرها الى الله و هو المجازى علیه.
و منْ کفر و لم یسلم وجهه، فلا یحْزنْک کفْره فلیس علیک منه تبعة، إلیْنا مرْجعهمْ یوم الحساب، فننبئهمْ بما عملوا نجازیهم على اعمالهم، إن الله علیم بذات الصدور بضمائر القلوب. و قیل علیم بما فى ضمیرک من الحزن على کذبهم.
نمتعهمْ قلیلا انما وصف التمتع بالقلة لانه فى الدنیا التی لبثهم فیها قلیل کما قال: قلْ متاع الدنْیا قلیل اى زمانه یسیر و ان کان کثیرا و المعنى نمتعهم بمنافع هذه الدنیا یسیرا من الزمان، ثم نلجئهم بعد ذلک، إلى عذاب غلیظ شدید دائم.
و لئنْ سألْتهمْ منْ خلق السماوات و الْأرْض لیقولن الله اى مع کفرهم مقرون بان خالق السماوات و الارض هو الله. قل الْحمْد لله على انقطاع حجتهم، و قیل: قل الْحمْد لمن خلق هذه الاشیاء لا لمن لا یخلق و هم یخلقون. و قیل: قل الْحمْد لله على العلم و الهدایة، بلْ أکْثرهمْ بل رد على قولهم نتبع ما وجدْنا علیْه آباءنا، أکْثرهمْ اى کلهم، لا یعْلمون ما فى ترک عبادة الله من العقاب و العذاب الالیم. و قیل: هو متصل بما بعده اى لا یعلمون.
لله ما فی السماوات و الْأرْض فما منصوبة بیعلمون، ثم ابتدأ فقال: إن الله هو الْغنی الْحمید الغنى عن ایمانهم و طاعتهم، الحمید المحمود لا ینقطع حمده بکفرهم.
و لوْ أن ما فی الْأرْض قال قتادة ان المشرکین قالوا ان القرآن و ما یأتى به محمد یوشک ان ینفد فینقطع فنزلت: و لوْ أن ما فی الْأرْض منْ شجرة أقْلام اى برئت اقلاما سمى قلما لانه قط رأسه و الاقلیم القطعة من الارض و تقلیم الاظفار قطعها، و الْبحْر یمده قرأ ابو عمرو و یعقوب و البحر بالنصب عطفا على ما، و الباقون بالرفع على الاستیناف، یمده اى یزیده و ینصب منه، منْ بعْده من خلفه، سبْعة أبْحر ما نفدتْ کلمات الله معنى الآیة لو برئت اشجار الارض اقلاما و جعل ماء البحر مدادا و زادت فیه سبْعة أبْحر مثله و کتبت بتلک الاقلام و المداد کلمات الله انکسرت الاقلام و فنى المداد و لم ینفد کلمات الله. و قیل: المراد بکلمات الله علم الله و سمى کلمات لانه لا یمکن کتابته الا اذا کانت کلمات. و قیل معنى الکلمات اسماء ما خلقه و ما یخلقه فى الآخرة لانها غیر متناهیة. و قیل: ما قضاه الله فى اللوح المحفوظ، إن الله عزیز اى منیع لا یعجزه شىء یریده، حکیم لا یلحقه سهو و لا عیب فى جمیع ما یقوله و یفعله و قیل ان حى بن اخطب قال: یا محمد انک اوتیت الحکمة و منْ یوْت الْحکْمة فقدْ أوتی خیْرا کثیرا تزعم انا لم نوت من العلم الا قلیلا فکیف یجتمع هذان و هما ضدان فنزلت هذه الآیة اى ما اعطاکم الله من العلم بالاضافة الى ما یعلمه قلیل.
قوله: ما خلْقکمْ و لا بعْثکمْ إلا کنفْس واحدة اى قدرة الله على خلق الجمیع و بعثهم لقدرته على خلق نفس واحدة و بعثها لا یلحقه نصب قلوا ام کثروا یقول لها کن فیکون لا حاجة الى آلة و لا الى استعانة، إن الله سمیع لکلام من انکر بالبعث، بصیر باحوال الاحیاء و الاموات.
أ لمْ تر أن الله یولج اللیْل فی النهار اى یزید من ساعات اللیل فى ساعات النهار صیفا و یزید من ساعات النهار فى ساعات اللیل شتاء، و سخر الشمْس و الْقمر کل یجْری إلى أجل مسمى یعنى الى ان یأتى یوم تکویرها و تسویدها، و أن الله بما تعْملون خبیر هذا تهدد و وعید، اى اذا جاء ذلک الاجل الذى ینقطع فیه جریان الشمس و القمر جازاکم الله على اعمالکم کلها.
ذلک بأن الله هو الْحق اى ذلک الذى خلق و صنع بسبب انه هو الله حقا و لتعلموا ان الله هو الحق یدعوا الى الحق و یأمر بالحق، و أن ما یدْعون منْ دونه الْباطل اى ما تدعون من الاصنام و تسمونهم آلهة هو الباطل، و أن الله هو الْعلی على کل شىء، الْکبیر عن ان یکون له نظیر او شبیه مشتق من الکبریاء.
أ لمْ تر اى ا لم تعلم یا محمد، أن الْفلْک تجْری فی الْبحْر بنعْمت الله اى برحمته على خلقه. و قیل ان ذلک من نعمة الله علیکم، لیریکمْ منْ آیاته اى من علامات صنعه و عجائب قدرته فى البحر اذا رکبتموها، إن فی ذلک لآیات لکل صبار على امر الله، شکور لنعمه. و قیل معناه لآیات للمومنین فان الایمان نصفان نصف صبر و نصف شکر.
و إذا غشیهمْ موْج کالظلل کل ما اظلک من شىء فهو الظلة و الجمع ظلل شبه بها الموج فى کثرتها و ارتفاعها و جعل الموج و هو واحد کالظلل و هى جمع لان الموج یأتى منه شىء بعد شىء. یقول تعالى: و اذا علا راکب البحر موْج کالظلل.
قال مقاتل اى کالجبال، و قال الکلبى: کالسحاب، دعوا الله مخْلصین له الدین الدین هاهنا الدعاء اى یخلصون له الدعاء و لا یدعون معه احدا سواء و لا یستعتبون بغیره.
و الاخلاص افراد الشیء من الشوائب. فلما نجاهمْ إلى الْبر فمنْهمْ مقْتصد قال ابن عباس اى عدل موف بما عاهد الله علیه فى البحر من التوحید له، یعنى ثبت على ایمانه و المراد به عکرمة بن ابى جهل هرب عام الفتح الى البحر فجاءهم ریح عاصف فقال عکرمة: لئن أنجانا الله من هذه لارجعن الى محمد و لاضعن یدى فى یده، فسکنت الریاح فرجع عکرمة الى مکة فاسلم و حسن اسلامه. و قال مجاهد فمنْهمْ مقْتصد فى القول مضمر للکفر فعاد بعد النجاة الى کفره، و ما یجْحد بآیاتنا إلا کل ختار بدینه، کفور لربه و الختر أسوأ الغدر و افحشه.
یا أیها الناس اتقوا ربکمْ و اخْشوْا یوْما لا یجْزی والد عنْ ولده اى لا یغنى عنه شیئا و لا یدفع عنه مضرة و معنى یجزى یقضى یقال: جزاه دینه اذا قضاه و التقدیر لا یجزى فیه الا انه حذف لان الیوم یدل علیه، و لا موْلود هو جاز مغن و لا قاض، عنْ والده شیْئا و المعنى لا یحمل شیئا من سیآته و لا یعطیه شیئا من طاعاته، و خص الوالد و الولد بالذکر تنبیها على غیرهما. إن وعْد الله حق اى الساعة آتیة لا ریب فیها و ما وعد من الثواب و العقاب کائن لا محالة، فلا تغرنکم الْحیاة الدنْیا زینتها و غضارتها و آمالها. و قیل لا تشغلنکم الدنیا عن طاعة الله، و لا یغرنکمْ بالله الْغرور یعنى الشیطان و الغرة بالله حسن الظن مع سوء العمل. قال سعید بن جبیر: هو ان یعمل المعصیة و یتمنى المغفرة. و فى الخبر: الکیس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت و العاجز من اتبع نفسه هواها و تمنى على الله المغفرة.
إن الله عنْده علْم الساعة هذه الآیة نزلت فى عبد الوارث بن عمرو بن حارثة رجل من اهل البادیة، انى النبى (ص) فسأله عن الساعة و وقتها، و قال: ان ارضنا اجدیت فمتى ینزل الغیث و ترکت امرأتى حبلى فما تلد و انى اعلم ما عملت امس فما اعمل غدا، و قد علمت این ولدت فباى ارض اموت، فانزل الله هذه الآیة.
و عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): «مفاتیح الغیب خمس لا یعلمهن الا الله، لا یعلم متى تقوم الساعة الا الله، و لا یعلم ما تغیض الارحام الا الله، و لا یعلم ما فى غد الا الله، و لا تعلم نفس باى ارض تموت الا الله، و لا یعلم متى ینزل الغیث الا الله».
قوله تعالى و تقدس: علْم الساعة اى علم قیام الساعة، و ینزل الْغیْث اى و یعلم متى ینزل الغیث.
سمى المطر غیثا لانه غیاث الخلق به رزقهم و علیه بقاوهم، و ما تدْری نفْس بأی أرْض تموت فى حضر او سفر، بر او بحر. و قیل: بأی أرْض تموت من قدم لان کل قدم یقع على ارض غیر الاولى فى المشى. و قیل معناه باى قدم من الشقاوة و السعادة حکاه النقاش. إن الله علیم بهذه الاشیاء، خبیر بها فمن ادعى علم شىء من هذه الخمسة فهو کافر بالله سبحانه و تعالى.